اغتيال لندن- دروس لبنان وسوريا في فخ إسرائيل
المؤلف: محمد الساعد08.25.2025

في الثالث من شهر يونيو لعام 1982، بينما كان السفير الإسرائيلي في العاصمة البريطانية لندن، المدعو "شلومو أرجوف"، يهمّ بركوب سيارته بعد مغادرته مأدبة عشاء فاخرة في فندق دورشيستر الأنيق في منطقة بارك لين، اقترب منه ثلاثة أشخاص، عُرفوا فيما بعد بأسماء "حسين غسان سعيد" و"مروان البنا" و"نواف الروسان". أطلق "حسين غسان سعيد" النار مباشرة على رأس السفير أرجوف. لم يفارق أرجوف الحياة جراء هذا الاعتداء الغاشم، لكن هذا الحادث المؤسف فتح أبوابًا موصدة من الحروب والمآسي التي ما زالت تتردد أصداؤها حتى يومنا هذا.
إن الأحداث التي جرت في عام 1982 لا تزال تتكرر في منطقة الشرق الأوسط بمنطقها العقيم نفسه، ولا تزال المنطقة تدفع ثمنها باهظًا حتى يومنا هذا، مع تبدّل الوجوه وتغيّر الأسماء، ولكن مع بقاء النتائج الكارثية ثابتة لا تتغير.
لقد كان ذلك الاعتداء الآثم بمثابة الشرارة التي أشعلت فتيل الغزو الإسرائيلي للأراضي اللبنانية، ومكّن إسرائيل من احتلال دامٍ استمر لعقدين كاملين، شهدت خلالهما المنطقة مذابح مروعة، أشهرها مجازر صبرا وشاتيلا البشعة. كما أدت هذه الأحداث إلى خروج الفصائل الفلسطينية من لبنان، الذي كان يمثل آخر نقطة تماس لها مع إسرائيل، بالإضافة إلى انقسام حاد وعميق في المجتمع اللبناني، لا تزال آثاره المؤلمة ماثلة للعيان حتى يومنا هذا.
تجدر الإشارة إلى أن أحد الفصائل الفلسطينية التي كانت تتخذ من لبنان مقرًا لها قد اتخذ قرارًا منفردًا بالتخطيط لمحاولة الاغتيال وتنفيذها، وهو الأمر الذي استغلته إسرائيل كذريعة واهية لغزو لبنان بقيادة وزير الدفاع آنذاك، أرئيل شارون، ليدفع الجميع ثمنًا باهظًا لهذه الحماقة.
اللافت للنظر في هذا السياق أن المجتمع المحلي الشيعي في جنوب لبنان كان من أوائل من استقبلوا الجنود والدبابات الإسرائيلية بالورود، بل نثروا الأرز ابتهاجًا بقدومهم. فقد كان جزء من النسيج اللبناني، ولا سيما بعض الشيعة والمسيحيين، يرون في الوجود المسلح الفلسطيني خطرًا محدقًا يهدد وجودهم. ولم يكن هذا الاستقبال الحافل إلا تعبيرًا عن قناعتهم الراسخة بأن "شارون" وجيشه هم المنقذون الذين سيخلصونهم من الفصائل الفلسطينية.
لكن سرعان ما تحولت تلك الزغاريد وذاك الأرز وتلك الورود إلى نقمة حلت عليهم، وإلى احتلال إسرائيلي غاشم لم يرحم أحدًا. فجيش شارون لم يكن يعنيه سوى الرد على ما أقدم عليه ذلك الفصيل الفلسطيني في لندن، وتحطيم شوكة بقية الفصائل، وتأمين حدوده الشمالية من خلال احتلال جنوب لبنان.
لم تكن تلك نزهة ممتعة كما توهم بعض شيعة ومسيحيي لبنان، بل تحوّل التواجد تحت ظلال الأرز والورود التي نثرت إلى احتلال بغيض استمر لأكثر من عقدين من الزمن. لقد ظن كل من رحب بشارون وجيشه أنهم سينتهون من الفصائل ثم يغادر شارون وقواته إلى معسكراتهم داخل إسرائيل، لكن ذلك لم يحدث حينها، ولن يحدث مستقبلاً في أي تجربة مماثلة.
لم تقتصر تبعات تلك الأحداث على ذلك فحسب، بل أفرزت الأزمة المستمرة منذ العام 1974 خروج أنطوان لحد من تحت عباءة الأقليات ليكتب فصلاً جديدًا من قصته وقصة مليشياته، التي انخرطت في الدفاع عن إسرائيل، وإدارة القرى المحتلة نيابة عن الجيش الإسرائيلي.
تجربة سعد حداد وأنطوان لحد؛ ربما تتكرر اليوم في رحم الأزمة الدرزية المتفاقمة، مع التذكير بأن أنطوان لحد انتهى به المطاف منبوذًا حتى داخل إسرائيل التي فر إليها بعد انهيار مليشياته، ولم يجد وسيلة للعيش سوى بافتتاح مطعم متواضع يسد به رمق العيش. ولعل الجميع يتذكر كيف كانت نهايته غريبًا مريضًا طريدًا بلا وطن ولا منفى، بالرغم من كل الخدمات الجليلة التي قدمها لجيش إسرائيل.
واليوم، يرحب بعض الدروز في سوريا بالهجمات الإسرائيلية ضد دمشق، بل يطالب بعض قادتهم بالتدخل المباشر للقوات الإسرائيلية. والسؤال الملح الذي يطرح نفسه الآن: هل يرتكب دروز سوريا نفس الخطأ الفادح الذي ارتكبه شيعة الجنوب اللبناني؟ وهل سيظهر من بينهم من يقوم بدور أنطوان لحد؟ فالإسرائيلي لا يتدخل لخدمة مصالح الآخرين، بل لخدمة مصالحه الخاصة فقط. وإذا كان التواجد في القرى الدرزية يخدم مصالحه، فلن يغادر قبل سنوات طوال قادمة، سنوات ستكون عصيبة على الجميع.
لقد كانت خيارات الدروز خلال العقود الماضية هي تحرير أراضيهم في الجولان الأعلى من الاحتلال الإسرائيلي، واليوم يستدعيه البعض إلى أراضٍ لم يكن قد احتلها سابقًا. فهل سيأتي اليوم الذي نرى فيه المستوطنات الإسرائيلية وقد بنيت مكان القرى الدرزية؟ سؤال يطرح نفسه بإلحاح، ويستدعي الألم ويدعو إلى إعمال العقل والحكمة، اللذين يتوقع الجميع أن يفرضا نفسيهما على أي دعوات أخرى قد تدمر سوريا والشرق الأوسط بأكمله.
إن الأحداث التي جرت في عام 1982 لا تزال تتكرر في منطقة الشرق الأوسط بمنطقها العقيم نفسه، ولا تزال المنطقة تدفع ثمنها باهظًا حتى يومنا هذا، مع تبدّل الوجوه وتغيّر الأسماء، ولكن مع بقاء النتائج الكارثية ثابتة لا تتغير.
لقد كان ذلك الاعتداء الآثم بمثابة الشرارة التي أشعلت فتيل الغزو الإسرائيلي للأراضي اللبنانية، ومكّن إسرائيل من احتلال دامٍ استمر لعقدين كاملين، شهدت خلالهما المنطقة مذابح مروعة، أشهرها مجازر صبرا وشاتيلا البشعة. كما أدت هذه الأحداث إلى خروج الفصائل الفلسطينية من لبنان، الذي كان يمثل آخر نقطة تماس لها مع إسرائيل، بالإضافة إلى انقسام حاد وعميق في المجتمع اللبناني، لا تزال آثاره المؤلمة ماثلة للعيان حتى يومنا هذا.
تجدر الإشارة إلى أن أحد الفصائل الفلسطينية التي كانت تتخذ من لبنان مقرًا لها قد اتخذ قرارًا منفردًا بالتخطيط لمحاولة الاغتيال وتنفيذها، وهو الأمر الذي استغلته إسرائيل كذريعة واهية لغزو لبنان بقيادة وزير الدفاع آنذاك، أرئيل شارون، ليدفع الجميع ثمنًا باهظًا لهذه الحماقة.
اللافت للنظر في هذا السياق أن المجتمع المحلي الشيعي في جنوب لبنان كان من أوائل من استقبلوا الجنود والدبابات الإسرائيلية بالورود، بل نثروا الأرز ابتهاجًا بقدومهم. فقد كان جزء من النسيج اللبناني، ولا سيما بعض الشيعة والمسيحيين، يرون في الوجود المسلح الفلسطيني خطرًا محدقًا يهدد وجودهم. ولم يكن هذا الاستقبال الحافل إلا تعبيرًا عن قناعتهم الراسخة بأن "شارون" وجيشه هم المنقذون الذين سيخلصونهم من الفصائل الفلسطينية.
لكن سرعان ما تحولت تلك الزغاريد وذاك الأرز وتلك الورود إلى نقمة حلت عليهم، وإلى احتلال إسرائيلي غاشم لم يرحم أحدًا. فجيش شارون لم يكن يعنيه سوى الرد على ما أقدم عليه ذلك الفصيل الفلسطيني في لندن، وتحطيم شوكة بقية الفصائل، وتأمين حدوده الشمالية من خلال احتلال جنوب لبنان.
لم تكن تلك نزهة ممتعة كما توهم بعض شيعة ومسيحيي لبنان، بل تحوّل التواجد تحت ظلال الأرز والورود التي نثرت إلى احتلال بغيض استمر لأكثر من عقدين من الزمن. لقد ظن كل من رحب بشارون وجيشه أنهم سينتهون من الفصائل ثم يغادر شارون وقواته إلى معسكراتهم داخل إسرائيل، لكن ذلك لم يحدث حينها، ولن يحدث مستقبلاً في أي تجربة مماثلة.
لم تقتصر تبعات تلك الأحداث على ذلك فحسب، بل أفرزت الأزمة المستمرة منذ العام 1974 خروج أنطوان لحد من تحت عباءة الأقليات ليكتب فصلاً جديدًا من قصته وقصة مليشياته، التي انخرطت في الدفاع عن إسرائيل، وإدارة القرى المحتلة نيابة عن الجيش الإسرائيلي.
تجربة سعد حداد وأنطوان لحد؛ ربما تتكرر اليوم في رحم الأزمة الدرزية المتفاقمة، مع التذكير بأن أنطوان لحد انتهى به المطاف منبوذًا حتى داخل إسرائيل التي فر إليها بعد انهيار مليشياته، ولم يجد وسيلة للعيش سوى بافتتاح مطعم متواضع يسد به رمق العيش. ولعل الجميع يتذكر كيف كانت نهايته غريبًا مريضًا طريدًا بلا وطن ولا منفى، بالرغم من كل الخدمات الجليلة التي قدمها لجيش إسرائيل.
واليوم، يرحب بعض الدروز في سوريا بالهجمات الإسرائيلية ضد دمشق، بل يطالب بعض قادتهم بالتدخل المباشر للقوات الإسرائيلية. والسؤال الملح الذي يطرح نفسه الآن: هل يرتكب دروز سوريا نفس الخطأ الفادح الذي ارتكبه شيعة الجنوب اللبناني؟ وهل سيظهر من بينهم من يقوم بدور أنطوان لحد؟ فالإسرائيلي لا يتدخل لخدمة مصالح الآخرين، بل لخدمة مصالحه الخاصة فقط. وإذا كان التواجد في القرى الدرزية يخدم مصالحه، فلن يغادر قبل سنوات طوال قادمة، سنوات ستكون عصيبة على الجميع.
لقد كانت خيارات الدروز خلال العقود الماضية هي تحرير أراضيهم في الجولان الأعلى من الاحتلال الإسرائيلي، واليوم يستدعيه البعض إلى أراضٍ لم يكن قد احتلها سابقًا. فهل سيأتي اليوم الذي نرى فيه المستوطنات الإسرائيلية وقد بنيت مكان القرى الدرزية؟ سؤال يطرح نفسه بإلحاح، ويستدعي الألم ويدعو إلى إعمال العقل والحكمة، اللذين يتوقع الجميع أن يفرضا نفسيهما على أي دعوات أخرى قد تدمر سوريا والشرق الأوسط بأكمله.